كتاب: فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير **

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير **


قال القصيري‏:‏ ينبغي للمتطهر أن ينوي مع غسل يديه تطهيرهما من تناول ما أبعده عن اللّه ونفضهما مما يشغله عنه وبالمضمضة تطهير الفم من تلويث اللسان بالأقوال الخبيثة وبالاستنشاق إخراج استرواح روائح محبوباته ‏[‏ص 156‏]‏ وبتخليل الشعر حله من أيدي ما يملكه ويهبطه من أعلا عليين إلى أسفل سافلين وبغسل وجهه تطهيره من توجهه إلى اتباع الهوى ومن طلب الجاه المذموم وتخشعه لغير اللّه وتطهير الأنف من الأنفة والكبر والعين من التطلع إلى المكروهات والنظر لغير اللّه بنفع أو ضر واليدين تطهيرهما من تناول ما أبعده عن اللّه والرأس زوال الترأس والرياسة الموجبة للكبر والقدمين تطهيرهما من المسارعة إلى المخالفات واتباع الهوى وحل قيود العجز عن المسارعة في ميادين الطاعة المبلغة إلى الفوز وهكذا ليصلح الجسد للوقوف بين يدي القدوس تعالى‏.‏

- ‏(‏حم عن أبي أمامة‏)‏ الباهلي قال المنذري‏:‏ رواه أحمد وغيره من طريق عبد الحميد بن بهرام عن شهر بن حوشب وقد حسبها الترمذي لغير هذا المتن وهو إسناد حسن في المتابعات لا بأس به‏.‏

2999 - ‏(‏أيما مسلم رمى بسهم في سبيل اللّه‏)‏ أي في الجهاد لإعلاء كلمة اللّه ‏(‏فبلغ‏)‏ إلى العدو ‏(‏مخطئاً أو مصيباً فله من الأجر كرقبة‏)‏ أي مثل أجر نسمة ‏(‏أعتقها من ولد إسماعيل‏)‏ بن إبراهيم الخليل عليه السلام ‏(‏وأيما رجل شاب في سبيل اللّه‏)‏ أي في الجهاد أو في الرباط يعني من هول ذلك ويحتمل أن المراد داوم على الجهاد حتى أسن ‏(‏فهو له نور‏)‏ أي فالشيب نور له فإن قلت‏:‏ ورد في غير ما خبر أن الشيب نور لكل مؤمن فما الذي تميز به هذا المجاهد قلت‏:‏ فالشيب في نفسه نور لكل مؤمن كما في حديث فالحاصل لهذا الرجل نور على نور ‏(‏وأيما رجل أعتق رجلاً مسلماً فكل عضو من المعتق‏)‏ بكسر التاء ‏(‏بعضو من المعتق‏)‏ بفتحها ‏(‏فداء -بنصب فداء على الحال أو التمييز أو المفعول المطلق والمراد مثل الرجل- من النار‏)‏ أي يجعله اللّه له فداء من نار جهنم والمرأة مثل الرجل ‏(‏وأيما رجل قام‏)‏ أي هب من نومه أو تحول من مقعده ‏(‏وهو‏)‏ أي والحال أنه ‏(‏يريد الصلاة‏)‏ يعني التهجد ‏(‏فأفضى الوضوء إلى أماكنه سلم من كل ذنب وخطيئة هي له فإن قام إلى الصلاة رفعه اللّه بها درجة‏)‏ أي منزلة عالية في الجنة ‏(‏وإن رقد‏)‏ بعد ذلك ‏(‏رقد سالماً‏)‏ من الذنوب والبلايا لحفظ اللّه له ورضاه عنه‏.‏

- ‏(‏طب عن عمرو بن عبسة‏)‏ بن عامر أو ابن خالد السلمي‏.‏

3000 - ‏(‏أيما وال ولي أمر أمتي بعدي -قوله بعدي قيد بالبعدية لإخراج من ولي أمر أمته في حياته من أمرائه فإنه لا يجري فيه التفصيل الآتي لأنهم كلهم عدول- أقيم على الصراط‏)‏ أي وقف به على متن جهنم ‏(‏ونشرت الملائكة صحيفته‏)‏ التي فيها حسناته وسيئاته ‏(‏فإن كان عادلاً نجاه اللّه بعدله‏)‏ أي بسبب عدله بين خليقته ‏(‏وإن كان جائراً انتفض به الصراط انتفاضة تزايل بين مفاصله‏)‏ أي تفارق كل مفصل مفصل منه ‏(‏حتى يكون بين عضوين من أعضائه مسيرة عام‏)‏ يعني بعداً كثيراً جداً فالمراد التكثير لا التحديد كما في نظائره ‏(‏ثم ينخرق به الصراط فأول ما يتقي به النارَ أنفُهُ وحُرُّ وجهه‏)‏ لأنه لما ‏[‏ص 157‏]‏ خرق حرمة من قلده اللّه أمره من عباده واستهان بهم وخان فيما جعل أميناً عليه ناسب أن ينخرق به متن الصراط والجزاء من جنس العمل وهذا وعيد شديد وتهديد ليس عليه مزيد والظاهر أن في الحديث تقديماً وتأخيراً وأن الانخراق به قبل تفرق أعضائه ثم تتفرق أعضاؤه من الهوى وقد يقال هو على بابه ويكون المراد بالأعضاء اليدين والرجلين خاصة‏.‏

- ‏(‏أبو القاسم بن بشران في أماليه عن عليّ‏)‏ أمير المؤمنين كرم اللّه وجهه‏.‏

3001 - ‏(‏أيما مسلم استرسل إلى مسلم‏)‏ أي استأنس واطمأن إليه ‏(‏فغبنه‏)‏ في بيع أو شراء أي غلبه بنقص في العوض أو غيره ‏(‏كان غبنه ذلك ربا‏)‏ أي مثل الربا في التحريم ومنه أخذ بعض الأئمة ثبوت الخيار في الغبن ومذهب الشافعي رضي اللّه عنه لا حرمة ولا خيار لتفريط المشتري بعدم الاحتياط‏.‏

- ‏(‏حل عن أبي أمامة‏)‏ ورواه عنه الطبراني أيضاً باللفظ المزبور وفيه موسى بن عمير القرشي الراوي عن مكحول قال الذهبي قال أبو حاتم ذاهب الحديث‏.‏

3002 - ‏(‏أيما امرأة قعدت على بيت أولادها فهي معي في الجنة‏)‏ الظاهر أن المراد بقعودها عليهم تعزبها ليتمهم وصبرها عن الرجال وعن التوسع في النفقة منهم لأجل الأولاد وأن المراد بالمعية المعية في السبق إلى الجنة بقرينة خبر أنا أول من يدخل الجنة لكن تبادرني امرأة فأقول من أنت فتقول‏:‏ أنا امرأة قعدت على أيتامي وأما درجة المصطفى صلى اللّه عليه وسلم فليس معه فيها أحد‏.‏

- ‏(‏ابن بشران‏)‏ في أماليه ‏(‏عن أنس‏)‏‏.‏

3003 - ‏(‏أيما راع‏)‏ أي حافظ مؤتمن على شيء من أمور المسلمين وكل من وكل بحفظ شيء فهو راع ومعانيهم مختلفة فرعاية الإمام وأمرائه ولاية أمور الرعية ‏(‏لم يرحم رعيته‏)‏ بأن لم يعاملهم بالرحمة ولم يذب عنهم وأهمل أمرهم وضيع حقهم ‏(‏حرم اللّه عليه الجنة‏)‏ أي دخولها قبل تطهيره بالنار لأن الراعي ليس بمطلوب لذاته وإنما أقيم لحفظ ما استرعاه فإذا لم يتصرف فيه بما أمر به فقد غش وخان فاستحق دخول دار الهوان وهذا شامل حتى للرجل الذي هو من آحاد الناس فإنه راع لعياله فإذا لم ينظر إليهم بالشفقة والعطف والإحسان فهو داخل في هذا الوعيد الشديد نسأل اللّه الغفران وأن يرضي عنا خصماءنا يوم الحساب والميزان‏.‏

- ‏(‏خيثمة الطرابلسي في جزئه‏)‏ الحديثي ‏(‏عن أبي سعيد‏)‏ الخدري‏.‏

3004 - ‏(‏أيما ناشئ نشأ في طلب العلم والعبادة‏)‏ تعميم بعد تخصيص ‏(‏حتى يكبر -بفتح الباء الموحدة أي يطعن في السنّ ويموت على ذلك قال في الصحاح‏:‏ كبر بمعنى طعن في السنِّ بكسر الباء في الماضي وفتحها في المضارع وأما كبر بمعنى عظم فهو بضمها فيهما-‏)‏ أي يطعن في السن ‏(‏أعطاه اللّه يوم القيامة ثواب اثنين وسبعين صديقاً‏)‏ بالتشديد أي مثل ثوابهم أجمعين‏.‏ قال في الفردوس‏:‏ النشئ الأحداث الواحد ناشئ مثل خادم وخدم وأنشأ الرجل إذا ابتدأ والنشئ ابتداع الشيء وابتداؤه اهـ‏.‏ وظاهره أن هذا الثواب الموعود إنما هو في علم شرعي قصد بطلبه وجه اللّه تعالى‏.‏

- ‏(‏طب عن أبي أمامة‏)‏ قال في الميزان‏:‏ هذا منكر جداً اهـ‏.‏ وقال الهيثمي‏:‏ فيه يوسف ‏[‏ص 158‏]‏ ابن عطية متروك الحديث‏.‏

3005 - ‏(‏أيما قوم نودي فيهم بالأذان صباحاً كان لهم أماناً من عذاب اللّه تعالى‏)‏ ذلك اليوم وتلك الليلة ‏(‏حتى يمسوا وأيما قوم نودي فيهم بالأذان مساء كان لهم أماناً من عذاب اللّه تعالى حتى يصبحوا‏)‏ أي يدخلوا في الصباح والظاهر أن المراد بالعذاب هنا القتال بدليل خبر أنه صلى اللّه عليه وسلم كان إذا نزل بساحة قوم فسمع الأذان كف عن القتال ذلك اليوم‏.‏

- ‏(‏طب عن معقل ابن يسار‏)‏ قال الهيثمي‏:‏ فيه أغلب بن تميم وهو ضعيف‏.‏

3006 - ‏(‏أيما مال أديت زكاته‏)‏ الشرعية لمستحقيها ‏(‏فليس بكنز -وإن دفن في الأرض وأيما مال لم تؤدّ زكاته فهو كنز وإن لم يدفن فيدخل صاحبه في آية والذين يكنزون-‏)‏ فلا يدخل صاحبه بادخاره في قوله تعالى ‏{‏والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل اللّه فبشرهم بعذاب أليم‏}‏‏.‏

- ‏(‏خط‏)‏ من حديث عبد العزيز البالسي ‏(‏عن جابر‏)‏ أورده ابن الجوزي في الواهيات وقال‏:‏ لا يصح قال أحمد‏:‏ اضرب على حديث عبد العزيز البالسي فإنه كذاب وقال موضوع‏.‏

3007 - ‏(‏أيما راع استرعى رعية‏)‏ أي طلب منه أن يكون راعي جماعة أي أميرهم ‏(‏فلم يحطها‏)‏ أي لم يحفظها يقال حاطه يحوطه حوطاً وحياطة إذا حفظه وصانه وذب عنه ‏(‏بالأمانة والنصيحة‏)‏ أي بإرادة الخير والصلاح ‏(‏ضاقت عليه رحمة اللّه التي وسعت كل شيء -بمعنى أنه يحرم منها وهذا خرج مخرج الزجر والتنفير لأن رحمة اللّه ترجى للعاصين- يعني أنه يبعد عن منازل الأبرار ويساق مع العصاة إلى النار فإذا طهر من دنسه شمله الغفران وصلح إلى جوار الرحمن قال العارف ابن عربي‏:‏ فالحاكم خليفة اللّه فإن غفل بلهوه وشأنه وشارك رعيته فيما هم فيه من فنون اللذات وميل الشهوات ولم ينظر في أحوال من أمر النظر في أحواله من رعاياه فقد عزل نفسه عن الخلافة بفعله ورمت به المرتبة وبقي عليه السؤال من اللّه والوبال والخيبة وفقد الرياسة والسيادة وحرمه اللّه خيرها وندم حيث لا ينفعه الندم‏.‏

- ‏(‏خط عن عبد الرحمن بن سمرة‏)‏ بن حبيب العبسي‏.‏

3008 - ‏(‏أيما وال ولي شيئاً من أمر أمتي‏)‏ أمة الإجابة ‏(‏فلم ينصح لهم‏)‏ في أمر دينهم ودنياهم ‏(‏ويجتهد لهم‏)‏ فيما يصلحهم ‏(‏كنصيحته وجهده‏)‏ أي اجتهاده ‏(‏لنفسه كبه اللّه تعالى على وجهه يوم القيامة في النار‏)‏ نار جهنم -أي ألقاه اللّه فيها على وجه الإذلال والإهانة والاحتقار وقد تدركه الرحمة فيعفى عنه- لأن اللّه تعالى إنما ولاه واسترعاه على عباده ليديم النصيحة لهم لا لنفسه فلما قلب القضية استحق النار الجهنمية‏.‏

- ‏(‏طب عن معقل بن يسار‏)‏ ضد اليمين‏.‏

3009 - ‏(‏أيما وال ولي على قوم فلان‏)‏ لهم أي لاطفهم بالقول والفعل ‏(‏ورفق‏)‏ بهم وساسهم بلطف ‏(‏رفق اللّه تعالى ‏[‏ص 159‏]‏ به يوم القيامة‏)‏ في الحساب والعتاب ومن عامله بالرفق في ذلك المقام فهو من السعداء بلا كلام واللّه تعالى يحب الرفق في الأمر كله‏.‏

- ‏(‏ابن أبي الدنيا في كتاب ذم الغضب عن عائشة‏)‏ رضي اللّه عنها‏.‏

3010 - ‏(‏أيما داع دعا إلى ضلالة فاتبع‏)‏ بالبناء للمجهول أي اتبعه على تلك الضلالة أناس ‏(‏فإن عليه مثل أوزار من اتبعه‏)‏ على ذلك ‏(‏ولا ينقص من أوزارهم شيئاً‏)‏ فإن من سنَّ سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة ‏(‏وأيما داع دعا إلى هدى فاتبع‏)‏ بالبناء للمجهول أيضاً أي اتبعه قوم عليها ‏(‏فإن له مثل أجور من اتبعه‏)‏ منهم ‏(‏ولا ينقص من أجورهم شيئاً‏)‏ فإن من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة قيل وذا شمل عموم الدلالة على الخير قال تعالى‏:‏ ‏{‏ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة‏}‏، ‏{‏وتعاونوا على البر والتقوى‏}‏ ‏{‏ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير‏}‏ وفيه حث على ندب الدعاء إلى الخير وتحذير من الدعاء إلى ضلالة أو بدعة سواء كان ابتدأ ذلك أو سبق به‏.‏

- ‏(‏ه عن أنس‏)‏

3011 - ‏(‏أين الراضون بالمقدور‏)‏ أي بما قدره اللّه تعالى لهم في علمه القديم الأزلي يعني هم قليل ‏(‏أين الساعون للمشكور‏)‏ أي المداومون على السعي والجهد في تحصيل كل فعل مشكور في الشرع ممدوح على فعله ‏(‏عجبت لمن يؤمن بدار الخلود‏)‏ وهي الجنة والنار ‏(‏كيف يسعى لدار الغرور‏)‏ أي الدنيا سميت به لأنها تغر وتضر وتمر ‏{‏وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور‏}‏ والغرور ما يغر به الإنسان من نحو مال وجاه وشهوة وشيطان والدنيا والشيطان أخوان وذلك لأنه لا يفرح بالدنيا إلا من رضي بها واطمأن إليها وأما من في قلبه ميل إلى الآخرة ويعلم أنه مفارق ما هو فيه عن قريب لم تحدثه نفسه بالفرح وما أحسن ما قيل‏:‏

أشد الغم عندي في سرور * تيقن عنه صاحبه انتقالا

ولست بمفراح إذا الدهر سرني * ولا جازع من صرفه المتقلب

وأكثر الناس كالأنعام السائمة لا ينظر الواحد منهم في معرفة موجده ولا المراد من إيجاده وإخراجه إلى هذه الدار التي هي معبر إلى دار القرار ولا يتفكر في قلة مقامه في الدنيا الفانية وسرعة رحيله إلى الآخرة الباقية بل إذا عرض له عارض عاجل لم يؤثر عليه ثواباً من اللّه ولا رضواناً‏.‏

- ‏(‏هناد عن عمرو بن مرة‏)‏ بضم الميم وشدة الراء ابن عبد اللّه بن طارق المرادي الكوفي الأعمى أحد الأعلام ‏(‏مرسلاً‏)‏‏.‏

3012 - ‏(‏أيها الناس اتقوا اللّه وأجملوا في الطلب‏)‏ ترفقوا في السعي في طلب حظكم من الرزق ‏(‏فإن نفساً لن تموت حتى تستوفي رزقها‏)‏ ‏{‏نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا‏}‏ ‏(‏وإن أبطأ عنها‏)‏ فهو لا بد يأتيها فلا فائدة للانهماك والاستشراف والرزق لا ينال بالجد ولا بالاجتهاد وقد يكدح العاقل الذكي في طلبه فلا يجد مطلوبه والغر الغبي يتيسر له ذلك المطلوب فعند تلك الاعتبارات يلوح لك صدق قول الشافعي‏:‏

ومن الدليل على القضاء وكونه * بؤس اللبيب وطيب عيش الأحمق

قال الفخر الرازي‏:‏ يظهر أن هذه المطالب إنما تحصل وتسهل بناء على قسمة قسام لا يمكن منازعته ومغالبته ‏{‏نحن (1) قسمنا بينهم معيشتهم‏}‏ وقال الزمخشري‏:‏ قيل لبزرجمهر‏:‏ تعال نتناظر في القدر قال‏:‏ وما أصنع بالمناظرة فيه رأيت ظاهراً دل على باطن، ورأيت أحمق مرزوقاً وعالماً محروماً فعلمت أن التدبير ليس للعباد، وقرن ذلك بالأمر بالتقوى لأنها من الأوامر الباعثة على جماع الخير إذ معها تنكف النفس عن أكثر المطالب وترتدع عن الشهوات وتندفع عن المطامع ومن ثم كرر لك فقال ‏(‏فاتقوا اللّه وأجملوا في الطلب‏)‏ أي اطلبوا الرزق طلباً رفيقاً وبين كيفية الإجمال بقوله فيه ‏(‏خذوا ما حل‏)‏ لكم تناوله ‏(‏ودعوا‏)‏ أي اتركوا ‏(‏ما حرم‏)‏ عليكم أخذه ومدار ذلك على اليقين فإن المرء إذا علم أن له رزقاً قدر له لا بد له منه علم أن طلبه لما لم يقدر عناء لا يفيد إلا الحرص والطمع المذمومين فقنع برزقه، والعبد أسير القدرة سليب القبضة وأفعاله تبع لفعل اللّه به فإنها إنما تكون باللّه والعبد مصروف عن نظره إلى أفعاله معترف بعجزه مقر باضطراره، عالم بافتقاره، والدنيا حجاب الآخرة، ومن كشف عن بصر قلبه، رأى الآخرة بعين إيقانه، ومن نظر إلى الآخرة زهد في الدنيا، إذ الإنسان حريص والنفس داعية قيل لابن عبد العزيز لما ولي الخلافة زهدت في الدنيا فقال‏:‏ إن لي نفساً تواقة تاقت إلى أعظم مناصب الدنيا فلما نالت تاقت إلى مناصب الآخرة‏.‏

- ‏(‏ه عن جابر‏)‏‏.‏

3013 - ‏(‏أيها الناس عليكم بالقصد‏)‏ أي الزموا السداد والتوسط بين طرفي الإفراط والتفريط ‏(‏عليكم بالقصد‏)‏ كرره للتأكيد قال الحكماء‏:‏ الفضائل هيئات متوسطة بين فضيلتين كما أن الخير متوسط بين رذيلتين فما جاوز التوسط خرج عن حد الفضيلة وقال حكيم للإسكندر‏:‏ أيها الملك عليك بالاعتدال في كل الأمور فإن الزيادة عيب والنقصان عجز ‏(‏فإن اللّه تعالى لا يمل حتى تملوا‏)‏ بفتح الميم فيهما والملال فتور يعرض للنفس من كثرة مزاولة شيء فيورث الكلال في الفعل والاعراض عنه وهذا مستحيل في حقه فإسناد الملال إليه تقدس على طريق المشاكلة من قبيل ‏{‏وجزاء سيئة سيئة مثلها‏}‏ أو هو محمول على غايته وهو الاعراض‏.‏

- ‏(‏ه ع حب عن جابر‏)‏ بن عبد اللّه‏.‏

3014 - ‏(‏أيها الناس‏)‏ قال ابن مالك في شرح الكافية‏:‏ إذا قلت أيها الرجل فأيها والرجل كاسم واحد وأي مدعو والرجل نعت له ملازم لأن أي مبهم لا يستعمل بغير صلة إلا في الجزاء والاستفهام وها حرف تنبيه فإذا قلت يا أيها الرجل لم يصح في الرجل إلا الرفع لأنه المنادى حقيقة وأي يتوصل به إليه وإن قصد به مؤنث زيدت التاء نحو ‏{‏يا أيتها النفس المطمئنة‏}‏ ‏(‏اتقوا اللّه‏)‏ أي بالغوا في الخوف منه باستحضار ما له من العظمة وإظهار نواميس العدل يوم الفصل ‏(‏فواللّه لا يظلم مؤمن مؤمناً إلا انتقم اللّه تعالى‏)‏ له ‏(‏منه يوم القيامة‏)‏ -حيث لم يعف عنه المظلوم ولم تحفه العناية الإلهية فيرضيه اللّه عنه وذكر المؤمن غالبي فمن له ذمة أو عهد أو أمان كذلك- الذي يظهر فيه عدله أتم الظهور ويدين فيه العباد بما فعلوا ولهذا لما سب رجل الحجاج عند الحسن فقال مه فإن اللّه ينتقم للحجاج كما ينتقم منه‏.‏

- ‏(‏عبد بن حميد عن أبي سعيد‏)‏ الخدري‏.‏

3015 - ‏(‏أيها الناس لا تعلقوا عليَّ بواحدة‏)‏ أي لا تأخذوا عليَّ في فعل ولا قول واحد يعني لا تنسبوني فيما أشرعه وأسنه ‏[‏ص 161‏]‏ كان وحياً إلهيا وحكماً ربانياً أي ما لم يقم دليل على أن ذلك من الخصوصيات ‏(‏ما أحللت إلا ما أحل اللّه تعالى وما حرمت إلا ما حرم اللّه تعالى‏)‏ أي فإني مأمور في كل ما آتيه أو أذره وقد فرض اللّه في الوحي اتباع الرسول فمن قبل عنه فإنما قبل بفرض اللّه ‏{‏وما آتاكم الرسول فخذوه‏}‏ ومن ردَّ فإنما ردَّ على اللّه‏.‏

قال العارف ابن عربي‏:‏ لو جاز أن يجيء الكاذب بما جاء به الصادق لانقلبت الحقائق وتبدلت القدرة بالعجز ولاستند الكذب إلى حضرة العز وهذا كله محال وغاية الضلال فما ثبت للواحد الأول يثبت للثاني في جميع الوجوه والمعاني‏.‏

- ‏(‏ابن سعد‏)‏ في الطبقات ‏(‏عن عائشة‏)‏‏.‏

3016 - ‏(‏أيها المصلي وحده‏)‏ أي المنفرد عن الصف ‏(‏ألا‏)‏ هلا ‏(‏وصلت إلى الصف فدخلت‏)‏ معهم ‏(‏أو جررت إليك رجلاً‏)‏ من الصف ليصطف معك ‏(‏إن ضاق بك المكان‏)‏ أي الصف ‏(‏فقام معك‏)‏ فصرتما صفاً ‏(‏أعد صلاتك‏)‏ التي صليتها منفرداً عن الصف ‏(‏فإنه لا صلاة لك‏)‏ أي كاملة قاله لرجل رآه يصلي خلف القوم والأمر بالإعادة للندب لا للوجوب‏.‏

- ‏(‏طب عن وابصة‏)‏ بكسر الموحدة وفتح المهملة ابن معبد رواه عنه أبو يعلى وفيه مالك بن سعيد أورده الذهبي في الضعفاء وقال ثقة ضعفه أبو داود عن السري بن إسماعيل قال يحيى‏:‏ استبان لي كذبه في مجلس واحد وقال النسائي‏:‏ متروك‏.‏

3017 - ‏(‏أيتها الأمة‏)‏ أي أمة الإجابة ‏(‏إني لا أخاف عليكم فيما لا تعلمون‏)‏ فإن الجاهل إذا لم يقصر معذور ‏(‏ولكن انظروا‏)‏ أي تأملوا ‏(‏كيف تعملون فيما تعلمون‏)‏ قال عيسى عليه الصلاة والسلام‏:‏ مثل الذي يتعلم العلم ولا يعمل به كمثل امرأة زنت في السر فحملت فظهر حملها فافتضحت وكذا من لا يعمل بعلمه يفضحه اللّه يوم القيامة على رؤوس الأشهاد، وقال ابن دينار‏:‏ إذا لم يعمل العالم بعلمه زلت موعظته عن القلوب كما يزل القطر عن الصفاء وقال السقطي‏:‏ اعتزل رجل للتعبد كان حريصاً على طلب علم الظاهر فسألته فقال‏:‏ قيل لي في النوم كيف تضيع العلم ضيعك اللّه فقلت‏:‏ إني لا أحفظه قال‏:‏ حفظه العمل به فتركت الطلب وأقبلت على العمل‏.‏

- ‏(‏حل‏)‏ من حديث الحسين بن جعفر القتات عن حميد بن صالح عن فضيل عن يحيى بن عبيد اللّه عن أبيه ‏(‏عن أبي هريرة‏)‏ ثم قال‏:‏ لا أعلم أحداً رواه بهذا اللفظ إلا يحيى بن عبيد اللّه بن موهب المدني‏.‏

3018 - ‏(‏أيّ‏)‏ بفتح الهمزة وتشديد الياء ‏(‏عبد زار أخاً له في اللّه -وفي العزيزي فيَّ بالفاء كما في كثير من النسخ- نودي‏)‏ من قبل اللّه على لسان بعض ملائكته ‏(‏أن طبت‏)‏ في نفسك ‏(‏وطابت لك الجنة ويقول اللّه عز وجل عبدي زارني عليَّ قراه‏)‏ أي عليًّ ضيافته ‏(‏ولن أرضى لعبدي بقرى دون الجنة‏)‏ أضاف الزيارة إليه تعالى وإنما هي للعبد المزور العاجز حثاً للخلق على المؤاخاة في اللّه والتزاور والتحابب فيه فأخبر المصطفى صلى اللّه عليه وسلم عن ربه أن زيارة المؤمن لأخيه في اللّه تعالى عيادة للّه من حيث أنها إنما فعلت لوجه اللّه فهو على المجاز والاستعارة فافهم‏.‏ ‏[‏ص 162‏]‏

- ‏(‏ابن أبي الدنيا في كتاب الإخوان عن أنس‏)‏

3019 - ‏(‏أي‏)‏ بفتح الهمزة وتخفيف الياء مقلوب يا، وهو حرف نداء ذكره أبو البقاء ‏(‏أخي‏)‏ ناداه نداء تعطف وشفقة ليكون أدعى إلى الإمتثال والقبول ‏{‏ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة‏}‏ ‏(‏إني موصيك بوصية -أي بليغة عظيمة النفع لمن فتح اللّه قفل قلبه وجعل خليفته مستقيمة وأذنه سميعة- فاحفظها‏)‏ عني ‏(‏لعل اللّه أن ينفعك بها‏)‏ أي باستحضارها والعمل بمضمونها ‏(‏زر القبور‏)‏ أي قبور المؤمنين لا سيما الصالحين ‏(‏تذكر بها‏)‏ أي بزيارتها أو مشاهدة القبور والاعتبار بحال أهلها ‏(‏الآخرة‏)‏ لأن من رأى مصارع من قبله وعلم أنه عما قريب صائر إليهم حركه ذلك لا محالة إلى تذكر الآخرة قال أبو ذر‏:‏ قلت‏:‏ يا رسول اللّه بالليل‏؟‏ قال‏:‏ لا ‏(‏بالنهار‏)‏ لما في الليل من مزيد الاستيحاش ولعل هذ لغير الكاملين أمّا من أنسه ليس إلا باللّه ووحشته ليست إلا من الناس فهما في حقه سيان بشهادة خروج المصطفى صلى اللّه عليه وسلم إلى البقيع ليلاً يستغفر لأهله وتكون الزيارة ‏(‏أحياناً‏)‏ لا في كل وقت ‏(‏ولا تكثر‏)‏ منها لئلا تتعطل عن مهماتك الأخروية والدنيوية قال السبكي‏:‏ وزيارتها أقسام أحدها لمجرد رؤيتها بغير معرفة بأصحابها ولا قصد استغفار لهم ولا تبرك بهم ولا أداء حق لهم وهو مستحب لهذا الخبر، الثاني الدعاء لهم كما دعا النبي صلى اللّه عليه وسلم لأهل البقيع وهو مستحب لكل ميت مسلم، الثالث للتبرك إذا كانوا صلحاء قال السارمساجي المالكي‏:‏ وذلك في غير قبر بني بدعة وفيه نظر، الرابع لأداء حقهم فمن له حق على إنسان يبره بزيارته ومنه زيارة النبي صلى اللّه عليه وسلم قبر أمّه فينبغي ذلك رحمة للميت ورقة وتأنيساً والآثار في انتفاع الموتى بزيارة الأحياء وإدراكهم لها لا تحصى ‏(‏واغسل الموتى فإن معالجة جسد خاو‏)‏ أي فارغ من الروح ‏(‏عظة بليغة‏)‏ وأعظم بها من عظة قال الذهبي‏:‏ هو دواء للنفوس القاسية والطباع المتكبرة وقيل لبعض الزهاد‏:‏ ما أبلغ العظات‏؟‏ قال‏:‏ النظر إلى محلة الأموات وقال بعضهم‏:‏ لنا من كل ميت نشاهده عظة بحاله وعبرة بمآله والموعظة بفتح الميم الوعظ وهي التذكير بالعواقب وقال بعضهم‏:‏ الموعظة التذكير باللّه وتليين القلوب بالترغيب والترهيب ‏(‏وصل على الجنائز‏)‏ من عرفت منهم ومن لم تعرف ‏(‏لعل ذلك يحزن قلبك فإن الحزين في ظل اللّه تعالى‏)‏ أي في ظل عرشه أو تحت كنفه ‏(‏معرض لكل خير وجالس المساكين‏)‏ أي والفقراء إيناساً لهم وجبراً لخواطرهم ‏(‏وسلم عليهم‏)‏ أي ابتدئهم بالسلام ‏(‏إذا لقيتهم‏)‏ في الطرق وغيرها ‏(‏وكل مع صاحب البلاء تواضعاً للّه تعالى‏)‏ بمؤاكلته ‏(‏وإيماناً به‏)‏ أي تصديقاً بأنه لا يصيبك من ذلك البلاء إلا ما قدّر عليك في الأزل وأنه لا عدوى ولا طيرة وهذا خوطب به من قوي توكله كما خاطب بقوله فرّ من المجذوم من كان ضعيف التوكل فالتدافع مدفوع ‏(‏والبس الخشن الضيق من الثياب‏)‏ من نحو قميص وجبة وعمامة ‏(‏لعل العز والكبرياء لا يكون لهما فيك مساغ وتزين أحياناً‏)‏ بالملابس الحسنة ‏(‏لعبادة ربك‏)‏ كما في الجمعة والعيدين ‏(‏فإن المؤمن كذلك يفعل‏)‏ أي يلبس الخشن حتى إذا جاء موسم من المواسم الإسلامية ‏[‏ص 163‏]‏ أو اجتماع لعبادة تزين ‏(‏تعففاً‏)‏ أي إظهاراً للعفة على الناس ‏(‏وتكرماً‏)‏ عليهم ‏(‏وتجملاً -يحتمل أنه بالحاء المهملة أي تحملاً عنهم مؤونة مواساته ويحتمل بالجيم أي تجملاً في الملبس للتحدث بالنعمة-‏)‏ بينهم حتى يدفع عنه سمة الفقر ورثاثة الهيئة ‏(‏ولا تعذب شيئاً مما خلق اللّه بالنار‏)‏ فإنه لا يعذب بالنار إلا خالقها وإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وهذا هو المقام الذي درج عليه جمهور الأولياء والعاقل من تبعهم في ذلك فإن قيل إن بعض الصحب كان يلبس الحلة بخمس مئة دينار ولبس طاوس اليماني بردة بسبعين ديناراً ولبس الشافعي حلة بألف دينار كساها له محمد بن الحسن لما ورد بغداد ومعلوم أن هؤلاء موصوفون بكمال الزهد فالجواب أنهم لم يفعلوه رغبة في الدنيا بل اتفاقاً أو بياناً لامتهانهم إياها أو عملاً برخصة الشارع أحياناً فإنه يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه وقد قال بعض العارفين‏:‏ إذا أحكم العبد مقام الزهد لم يضره ما لبس وأكل ‏.‏

أخبرنا والدي الشيخ تاج العارفين المناوي الشافعي قال‏:‏ حدثنا الشيخ الصالح زين الدين معاذ قال‏:‏ حدثنا شيخ الإسلام بقية المجتهدين الأعلام شرف الدين يحيى المناوي من حفظه ولفظه إملاء عن المحقق الحافظ أبي زرعة القرافي عن قاضي القضاة عز الدين بن جماعة عن أحمد بن عساكر عن زينب الشقرية عن علامة الإسلام أبي القاسم محمود بن عمر بن محمد الزمخشري لنفسه‏:‏

ليس السيادة أكماماً مطرزة * ولا مراكب يجري فوقها الذهب

وإنما هي أفعال مهذبة * ومكرمات يليها العقل والأدب

وما أخو المجد إلا من بغى شرفاً * يوما فهان عليه النفس والسلب

وأفضل الناس حرّ ليس يغلبه * على الحجى شهوة فيه ولا غضب

- ‏(‏ابن عساكر‏)‏ في ترجمة أبي ذر ‏(‏عن أبي ذر‏)‏ وفيه موسى بن داود أورده الذهبي في الضعفاء وقال مجهول ويعقوب ابن إبراهيم لا يعرف عن يحيى بن سعيد عن رجل مجهول‏.‏

3020 - ‏(‏أي إخواني لمثل هذا اليوم فأعدُّوا‏)‏ أي لمثل نزول أحدكم قبره فليعدّ -أي فليتخذ عدة تنفعه في بيت الظلمة والوحشة وهو العمل الصالح- وكان صلى اللّه عليه وسلم واقفاً على شفير قبر وبكى حتى بلَّ الثرى وإذا كان هذا حال ذاك الجناب الأفخم فكيف حال أمثالنا‏؟‏ والعجب كل العجب من غفلة من لحظاته معدودة وأنفاسه محدودة فمطايا الليل والنهار تسرع إليه ولا يتفكر إلى أن يحمل ويسار به أعظم من سير البريد ولا يدري إلى أي الدارين ينقل فإذا نزل به الموت قلق لخراب ذاته وذهاب لذاته لما سبق من جناياته وسلف من تفريطاته حيث لم يقدم لحياته وفيه ندب تذكير الغافل خصوصاً الإخوان ومثلهم الأقارب لأن الغفلة من طبع البشر وينبغي للمرء أن يتفقد نفسه ومن يحبه بالتذكير، وللّه در حسان رضي اللّه عنه حيث يقول‏:‏

تخير خليلاً من فعالك إنما * قرين الفتى في القبر ما كان يفعل

‏(‏تتمة‏)‏ حضر الحسن البصري جنازة امرأة الفرزدق وقد اعتم بعمامة سوداء أسدلها بين كتفيه واجتمع الناس عليه ينظرون إليه فجاء الفرزدق فقام بين يديه فقال‏:‏ يا أبا سعيد يزعم الناس أنه اجتمع هنا خير الناس وشر الناس فقال‏:‏ من خيرهم ومن شرهم قال‏:‏ يزعمون أنك خيرهم وأني شرهم قال‏:‏ ما أنا بخيرهم ولا أنت بشرهم لكن ما أعددت لهذا اليوم قال‏:‏ شهادة أن لا إله إلا اللّه منذ سبعين سنة قال‏:‏ نعم واللّه العدة ثم قال الفرزدق‏:‏

أخاف وراء القبر إن لم يعافني * أشد من القبر التهاباً وأضيقا

إذا جاءني يوم القيامة قائد * عنيف وسوّاق يسوق الفرزدقا ‏[‏ص 164‏]‏

- ‏(‏حم ه عن البراء‏)‏ بن عازب قال‏:‏ كنا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم في جنازة فجلس على شفير قبر فبكى ثم ذكره قال المنذري بعد ما عزاه لابن ماجه‏:‏ إسناده حسن وفيه محمد بن مالك أبو المغيرة قال في الميزان‏:‏ قال ابن حبان لا يحتج به ثم أورد له هذا الخبر‏.‏

3021 - ‏(‏أيحسب‏)‏ الهمزة للإنكار ‏(‏أحدكم‏)‏ فيه حذف تقديره أيظن أحدكم ‏(‏إذا كان يبلغه الحديث عني‏)‏ حال كونه ‏(‏متكئاَ على أريكته -في النهاية‏:‏ الأريكة السرير في الحجلة من دون ستر ولا يسمى منفرداً أريكة وقيل هو كل ما اتكئ عليه من سرير أو فراش أو منصة اهـ‏.‏ قال ابن رسلان‏:‏ ويترجح هذا هنا فإنهم كانوا في غزوة خيبر ولم تكن الحجلة موجودة عليه وهي بفتح الحاء والجيم بيت كالقبة يستر بالثياب ويكون له أزرار كبار- أي سريره أو فراشه أو منصته وكل ما يتكؤ عليه فهو أريكة قال القاضي‏:‏ الأريكة الحجلة وهي سرير يزين بالحلل والأثواب للعروس جمعها أرائك وقال الراغب‏:‏ سميت به إما لكونها متخذة من الأراك أو لكونها مكاناً للإقامة وأصل الأراك الإقامة على رعي الأراك ثم تجوز به في غيره من الإقامات قال البغوي‏:‏ أراد بهذه الصفة أصحاب الترفه والدعة الذين لزموا البيوت وقعدوا عن طلب العلم وقال المظهر‏:‏ أراد بالوصف التكبر والسلطنة ‏(‏أن اللّه تعالى لم يحرّم شيئاً إلا ما في هذا القرآن -ليس بظاهر بل المقول محذوف أي فيقول بيننا وبينكم كتاب اللّه إن اللّه لم يحرم إلخ-‏)‏ هذا من تتمة مقولة ذلك الإنسان أي قد يظن بقوله بيننا وبينكم كتاب اللّه أن اللّه لم يحرم إلا ما في القرآن وما ذكر من أن سياق الحديث هكذا هو ما وقع للمصنف عازباً لأبي داود وقد سقطت منه لفظة وأصله أيحسب أحدكم متكئاً على أريكته يظن أن اللّه لم يحرم شيئاً هكذا هو ثابت في رواية أبي داود فسقط من قلم المؤلف لفظ يظن قال بعض شراح أبي داود وقوله يظن بدل من يحسب بدل الفعل من الفعل كقول الشاعر‏:‏

متى تأتنا تلمم بنا في ديارنا * تجد حطباً جزلا وناراً تأججا

فقوله تلمم بدل من تأتنا لأن الإلمام نوع من الإتيان ‏(‏ألا‏)‏ يعني تنبهوا لما ألقيه عليكم ‏(‏وإني واللّه قد أمرت‏)‏ بفتح الهمزة والميم ‏(‏ووعظت‏)‏ ومتعلق الأمر والوعظ محذوف أي أمرت ووعظت بأشياء ‏(‏ونهيت عن أشياء إنها كمثل القرآن‏)‏ بكسر الميم وسكون المثلثة وتفنح أي قدره ‏(‏أو أكثر‏)‏ وهي في الحقيقة مستمدة مني فإنها بيان له ‏{‏وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس‏}‏ قال المظهر‏:‏ أو في قوله أو أكثر ليست للشك لترقبه الزيادة طوراً بعد طور ومكاشفة لحظة فلحظة فكوشف له أن ما أوتي من الأحكام غير القرآن مثله ثم كوشف بالزيادة متصلاً به قال الطيبي‏:‏ مثلها في قوله تعالى ‏{‏مئة ألف أو يزيدون‏}‏ ‏(‏وإن اللّه تعالى لم يحل لكم‏)‏ بضم الياء وكسر الحاء ‏(‏أن تدخلوا بيوت أهل الكتاب‏)‏ أي أهل الذمة ‏(‏إلا بإذن‏)‏ منهم لكم صريحاً وفي معنى بيوتهم متعبداتهم من نحو كنيسة وبيعة ‏(‏ولا ضرب نسائهم‏)‏ أي ولا يحل لكم ضرب أحد نسائهم لأخذ الطعام أو غيره قهراً أو لتجامعوهن فلا تظنوا أن نساء أهل الذمة حل لكم كنساء الحربيين ‏(‏ولا أكل ثمارهم‏)‏ أي ونحوها من كل مأكول ‏(‏إذا أعطوكم الذي عليهم‏)‏ من جزية وغيرها والحديث كناية عن عدم التعرض لهم بالإيذاء في أهل أو مسكن أو مال إذا أعطوا الذي عليهم من الجزية وإنما ‏[‏ص 165‏]‏ وضع قوله الذي عليهم موضع الجزية إيذاناً بفخامة العلة وفيه وجوب طاعة الرسول وقد نطق به التنزيل قال الطيبي‏:‏ وكلمة التنبيه مركبة من همزة الاستفهام ولا النافية معطية معنى تحقق ما بعدها ولكونها بهذه المثابة لا يكاد يقع ما بعدها إلا مصدراً بما يصدر به جواب القسم وشقيقتها أما وتكررها يؤذن بتوبيخ وتقريع نشأ من غضب عظيم على من ترك السنة والعمل بالحديث استغناء عنها بالكتاب هذا، مع الكتاب، فكيف بمن رجح الرأي على الحديث‏؟‏ قيل وما أوتيه غير القرآن على أنواع‏:‏ أحدها الأحاديث القدسية التي أسندها إلى رب العزة‏.‏ الثاني ما ألهم‏.‏ الثالث ما رآه في النوم‏.‏ الرابع ما نفث جبريل عليه السلام في روعه أي في قلبه في غير ما موضع‏.‏

- ‏(‏د‏)‏ في الخراج ‏(‏عن العرباض‏)‏ بكسر العين المهملة وفتح التحتية ابن سارية السلمي بضم المهملة قال‏:‏ نزلنا مع النبي صلى اللّه عليه وسلم خيبر وكان صاحبها مارداً متكبراً فقال‏:‏ يا محمد ألكم أن تذبحوا حمرنا وتأكلوا ثمرنا وتضربوا نساءنا فغضب النبي صلى اللّه عليه وسلم وأمر ابن عوف أن يركب فرساً وينادي إن الجنة لا تحل إلا لمؤمن وإن اجتمعوا للصلاة فاجتمعوا فصلى بهم فذكره قال المناوي رحمه اللّه‏:‏ فيه أشعث بن شعبة المصيصي فيه مقال‏.‏

3022 - ‏(‏أيمن امرئ وأشأمه‏)‏ أي أعظم ما في جوارح الإنسان يمناً أي بركة وأعظم ما فيها شؤماً أي شراً ‏(‏ما بين لحييه‏)‏ وهو اللسان واللحيان بفتح اللام وسكون المهملة العظمان اللذان بجانبي الفم فقوله أيمن بضم الميم من اليمن وهو البركة وأشأم بالهمزة بعد الشين من الشؤم وهو الشر وقد مر مراراً أن أكثر خطايا ابن آدم من اللسان وأن الأعضاء كلها تكفره وأنه إن استقام استقامت وإن اعوج اعوجت فهو المتبوع والإمام في الخير والشر‏.‏

- ‏(‏طب عن عدي بن حاتم‏)‏

*2* ‏(‏فصل في المحلى بأل من هذا الحرف‏)‏ أي حرف الهمزة وهو ختامه‏.‏

3023 - ‏(‏الآخذ‏)‏ بالمد ‏(‏بالشبهات‏)‏ جمع شبهة وهي هنا محل تجاذب الأدلة وتعارض المعاني والأسباب واختلاف العلماء ‏(‏يستحل الخمر بالنبيذ‏)‏ أي يتناول الخمر بالنبيذ ويقول النبيذ حلال ‏(‏والسحت بالهدية‏)‏ أي يتناول ما يصل إليه من نحو الظلمة أو ما يأخذ من الرشوة بأنه هدية والهدية سائغة القبول والسحت بضمتين وإسكان الثاني تخفيف كل مال حرام لا يحل كسبه ولا أكله كذا في المصباح ‏(‏والبخس بالزكاة‏)‏ بموحدة وخاء معجمتين وسين مهملة ما يأخذه الولاة باسم العشر والمكس يتأولون فيه الزكاة والصدقة فالأخذ بالشبهات يقع فيما تحققت حرمته تثبتاً بمجرد احتمال محض لا سبب له في الخارج إلا مجرد التجويز العقلي وهو لا عبرة به وكمغصوب احتمل إباحة مالكه فهو حرام صرف‏.‏

- ‏(‏فر عن علي‏)‏ أمير المؤمنين ورواه عنه أيضاً أبو نعيم وأبو الشيخ ‏[‏ابن حبان‏]‏ من طريقهما وعنهما أورده الديلمي مصرحاً فعزوه إلى الأصل كان أولى ثم إن فيه بشار بن قيراط قال الذهبي‏:‏ متهم أي بالوضع‏.‏

3024 - ‏(‏الآخذ والمعطي سواء في الربا‏)‏ أي آخذ الربا ومعطيه في الإثم سواء لا مزية لأحدهما على الآخر فيه فليس الإثم مختصاً بآخذه كما قد يتوهم وإن كان الآخذ محتاجاً كما مر لكن الذي يظهر أنه يكون عند احتياجه أقل إثماً فالتساوي في الإثم لا في مقداره‏.‏

- ‏(‏قط ك عن أبي سعيد‏)‏ الخدري ورواه عنه أيضاً الطيالسي ومن طريقه خرجه الدارقطني‏.‏ ‏[‏ص 166‏]‏

3025 - ‏(‏الآمر‏)‏ بالمد ‏(‏بالمعروف‏)‏ أي في الشيء المعروف في الشرع بالحسن ‏(‏كفاعله‏)‏ في حصول الأجر له والإثابة عليه في الآخرة‏.‏

- ‏(‏يعقوب بن سفيان في مشيخته‏)‏ أي في الجزء الذي جمعه في تراجم مشايخه ‏(‏فر‏)‏ كلاهما ‏(‏عن عبد اللّه بن جراد‏)‏ الخفاجي العقيلي وفيه عمرو بن إسماعيل بن مجالد أورده الذهبي في الضعفاء وقال‏:‏ قال النسائي والدارقطني متروك عن يعلى بن الأشدق قال البخاري وغيره لا يكتب حديثه‏.‏

3026 - ‏(‏الآن حمي الوطيس‏)‏ بفتح فكسر التنور أو شبهه أو الضراب في الحرب أو حجارة مدورة إذا حميت لم يقدر أحد يطأها عبر به عن اشتباك الحرب وقيامها على ساق من قبيل الاستعارة لشدة المعركة والتحامها وقرنها بالحمو ترشيحاً للمجاز قاله يوم حنين وقد نظر إلى الجيش وهو على بغلته وفي رواية هذا حمى الوطيس قال الطيبي‏:‏ هذا مبتدأ والخبر محذوف أي هذا القتال حين اشتد الحرب وهذا لفظ بديع لم يسمع بمثله‏.‏

- ‏(‏حم م عن العباس‏)‏ بن عبد المطلب ‏(‏ك عن جابر‏)‏ بن عبد اللّه ‏(‏طب عن شيبة‏)‏ بن عثمان بن أبي طلحة بن عبد العزى العبدي الجبحي المكي قتل عليٌّ أباه يوم أحد وأسلم هو يوم الفتح‏.‏

3027 - ‏(‏الآن نغزوهم ولا يغزوننا‏)‏ بنونين وفي رواية بنون أي في هذه الساعة تبين لي من اللّه أنا أيها المسلمون نسير إلى كفار قريش ويكون لنا الظفر عليهم ولا يسيرون إلينا ولا يظفرون علينا أبداً قاله حين أجلي عنه الأحزاب وهذا من معجزاته فقد كان كذلك فإنه اعتمر في السنة المقبلة فصدته قريش ووقعت الهدنة بينهم إلى أن نقضوها فكان ذلك سبب فتح مكة قال السيرافي‏:‏ معنى الآن أنه الزمان الذي يقع فيه كلام المتكلم وهو الزمان الذي هو آخر ما مضى وأول ما يأتي من الأزمنة وفي شرح المفصل للأندلسي الفرق بين الزمان والآن أن الزمان ماله مقدار يقبل التجزئة والآن لا مقدار له فإن ما كان من الأزمة متوسطاً بين الماضي والمستقبل وهو اسم للوقت الحاضر وزعم الفراء أن أصله من آن يئين إذا أتى وقته كقولك آن لك أن تفعل فأدخلوا عليه أل وبنوه على ما كان عليه من الفتح وقيل أصله أو آن ثم حذفوا الواو ونوزع في ذلك‏.‏

- ‏(‏حم خ‏)‏ في المغازي ‏(‏عن سليمان بن صرد‏)‏ بضم ففتح ابن الجوز بفتح الجيم الخزاعي صحابي بن صحابي مشهور‏.‏

3028 - ‏(‏الآن قد بردت عليه جلده‏)‏ يعني الرجل الذي مات وعليه ديناران فقضاهما رجل عنه بعد يوم قال الراغب‏:‏ الآن كل زمان مقدر بين زمانين ماضي ومستقبل نحو الآن أفعل كذا وأصل البرد خلاف الحرارة فتارة تعتبر ذاته فيقال برد كذا أي اكتسب برداً، وبرد الماء كذا كسبه برداً ومنه البرادة لما يبرد الماء وبرد الإنسان مات لما يعرض له من عدم الحرارة بفقد الروح أو لما عرض له من السكوت وقولهم للنوم برد إما لما يعرض من البرد في ظاهر جلده أو لما يعرض له من السكون‏.‏

- ‏(‏حم قط ك عن جابر‏)‏ قال‏:‏ مات رجل فغسلناه وكفناه وأتينا به رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يصلي عليه فخطا خطوة ثم قال‏:‏ أعليه دين‏؟‏ قلت‏:‏ ديناران، فانصرف فتحملهما أبو قتادة فصلي عليه ثم قال بعد بيوم، ما فعل الديناران قلت‏:‏ إنما مات بالأمس فعاد عليه الغد فقال‏:‏ قبضتهما فقال‏:‏ الآن بردت عليه جلدته، ثم قال الهيثمي‏:‏ سنده حسن‏.‏

‏[‏ص 167‏]‏ 3029 - ‏(‏الآيات بعد المائتين‏)‏ مبتدأ وخبر أي تتابع الآيات وظهور الأشراط على السابع والتوالي بعد المائتين قال الطيبي‏:‏ والظاهر في اعتبار المائتين بعد الإخبار وهذا قاله قبل أن يعلمه اللّه تعالى بأنها تتأخر زمناً طويلاً وفي الميزان‏:‏ قال البخاري هذا حديث منكر‏.‏ لقد مضى مائتان ولم يكن من الآيات شيء‏.‏

- ‏(‏ه ك‏)‏ في الفتن كلاهما معاً من حديث عون بن عمارة عن عبد اللّه بن المثنى عن أبيه عن جده ‏(‏عن أبي قتادة‏)‏ قال الحاكم‏:‏ على شرطهما وشنع عليه الذهبي وقال‏:‏ أحسبه موضوعاً وعون بن عمارة ضعفوه اهـ‏.‏ وابن المثنى ضعيف أيضاً وسبقه إلى الحكم بوضعه ابن الجوزي وتعقبه المصنف فما راح ولا جاء‏.‏

3030 - ‏(‏الآيات خرزات‏)‏ بالتحريك جمع خرزة كقصب وقصبة ‏(‏منظومات في سلك فانقطع‏)‏ أي فإذا انقطع ‏(‏السلك فيتبع بعضها بعضاً‏)‏ أي فيقع بعضها أثر بعض من غير فصل بزمن طويل قال ابن حجر‏:‏ حديث ابن عمرو هذا ورد عنه ما يعارضه وهو ما أخرجه عنه عبد بن حميد في تفسيره بسند جيد موقوفاً وخرّجه عنه البالسي مرفوعاً يبقى الناس بعد طلوع الشمس من مغربها عشرين ومئة سنة هذا لفظه قال‏:‏ ويمكن الجواب بأن المدة ولو كانت عشرين ومئة سنة لكنها تمر مراً سريعاً كمقدار عشرين ومئة شهر من قبل ذلك أو دون ذلك كما ثبت في مسلم عن أبي هريرة رفعه لا تقوم الساعة حتى تكون السنة كالشهر ‏.‏الحديث‏.‏

- ‏(‏حم ك‏)‏ في الفتن ‏(‏عن ابن عمرو‏)‏ بن العاص قال الهيثمي‏:‏ فيه أي عند أحمد عليٌّ بن زيد وهو حسن الحديث‏.‏

3031 - ‏(‏الآيتان من آخر سورة البقرة‏)‏ وهما قوله ‏{‏آمن الرسول‏}‏ إلى آخر السورة ‏(‏من قرأهما‏)‏ بكمالهما ‏(‏في ليلة‏)‏ وفي رواية بعد العشاء الأخيرة ‏(‏كفتاه‏)‏ في ليلته شر الشيطان أو الثقلين أو الآفات أو أغنتاه عن قيام الليل أو الكل‏.‏

- ‏(‏حم ق ه عن ابن مسعود‏)‏ ظاهر صنيعه أنه لم يخرّجه من الأربعة إلا ابن ماجه وليس كما أوهم فقد رواه أبو داود والترمذي والنسائي في فضائل القرآن عن ابن مسعود أيضاً فاقتصاره على القزويني رحمه اللّه تعالى غير جيد‏.‏

3032 - ‏(‏الأبدال‏)‏ بفتح الهمزة جمع بدل بفتحتين خصهم اللّه تعالى بصفات منها أنهم ساكنون إلى اللّه بلا حركة ومنها حسن أخلاقهم ‏(‏في هذه الأمة ثلاثون رجلاً‏)‏ قيل سموا أبدالاً لأنهم إذا غابوا تبدل في محلهم صور روحانية تخلفهم ‏(‏قلوبهم على قلب إبراهيم خليل الرحمن‏)‏ عليه السلام أي انفتح لهم طريق إلى اللّه تعالى على طريق إبراهيم عليه السلام وفي رواية قلوبهم على قلب رجل واحد قال الحكيم‏:‏ إنما صارت هكذا لأن القلوب لهت عن كل شيء سواه فتعلقت بتعلق واحد فهي كقلب واحد قال في الفتوحات‏:‏ قوله هنا على قلب إبراهيم وقوله في خبر آخر على قلب آدم وكذا قوله في غير هؤلاء ممن هو على قلب شخص من أكابر البشر أو من الملائكة معناه أنهم يتقلبون في المعارف الإلهية بقلب ذلك الشخص إذ كانت واردات العلوم الإلهية إنما ترد على القلوب فكلّ علم يرد على القلب ذلك الكبير من ملك أو رسول يرد على هذه القلوب التي هي على قلبه وربما يقول بعضهم فلان على قدم فلان ومعناه ما ذكر وقال القيصري الرومي عن العارف ابن عربي‏:‏ إنما قال على قلب إبراهيم عليه السلام لأن الولاية مطلقة ومقيدة والمطلقة هي الولاية الكلية التي جميع الولايات الجزئية أفرادها والمقيدة تلك الأفراد وكل من الجزئية والكلية تطلب ظهورها ‏[‏ص 168‏]‏ والأنبياء قد ظهر في هذه الأمة جميع ولاياتهم على سبيل الإرث منهم فلهذا قال هنا على قلب إبراهيم عليه السلام وفي حديث آخر على قلب موسى عليه السلام وفلان وفلان ونبينا محمد صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم صاحب الولاية الكلية من حيث أنه صاحب دائرة الولاية الكلية لأن باطن تلك النبوية الكلية الولاية المطلقة للكلية ولما كان لولاية كل من الأنبياء في هذه الأمة مظهراً كان من ظرائف الأنبياء أن يكون في هذه الأمة من هو على قلب واحد من الأنبياء ‏(‏كلما مات رجل‏)‏ منهم ‏(‏أبدل اللّه مكانه رجلاً‏)‏ فلذلك سموا أبدالاً أو لأنهم أبدلوا أخلاقهم السيئة وراضوا أنفسهم حتى صارت محاسن أخلاقهم حلية أعمالهم وظاهر كلام أهل الحقيقة أن الثلاثين مراتبهم مختلفة قال العارف المرسي‏:‏ جلت في الملكوت فرأيت أبا مدين معلقاً بساق العرش رجل أشقر أزرق العين فقلت له‏:‏ ما علومك ومقامك قال‏:‏ علومي أحد وسبعين علماً ومقامي رابع الخلفاء ورأس الأبدال السبعة قلت‏:‏ فالشادلي قال‏:‏ ذاك بحر لا يحاط به وقال العارف المرسي‏:‏ كنت جالساً بين يدي أستاذي الشاذلي فدخل عليه جماعة فقال‏:‏ هؤلاء أبدال فنظرت ببصيرتي فلم أرهم أبدالاً فتحيرت فقال الشيخ‏:‏ من بدلت سيئاته حسنات فهو بدل فعلمت أنه أول مراتب البدلية وأخرج ابن عساكر أن ابن المثنى سأل أحمد ابن حنبل‏:‏ ما تقول في بشر الحافي بن الحارث قال‏:‏ رابع سبعة من الأبدال‏.‏

- ‏(‏حم عن عبادة بن الصامت‏)‏ قال الهيثمي‏:‏ رجاله رجال الصحيح غير عبد الواحد بن قيس وقد وثقه العجلي وأبو زرعة وضعفه غيرهما‏.‏

3033 - ‏(‏الأبدال في أمتي‏)‏ أمة الإجابة ‏(‏ثلاثون‏)‏ رجلاً ‏(‏بهم تقوم الأرض‏)‏ أي تعمر ‏(‏وبهم تمطرون وبهم تنصرون‏)‏ على عدوكم لأن الأنبياء كانوا أوتاد الأرض فلما انقطعت النبوة أبدل اللّه مكانهم هؤلاء فيهم يغاث أهل الأرض ويكثر إدرار الفيض وفي بعض الآثار أن الأرض شكت إلى اللّه ذهاب الأنبياء عليهم السلام وانقطاع النبوة فقال‏:‏ سوف أجعل على ظهرك صديقين ثلاثين فسكتت‏.‏